جاء في فضل الدعاء ، والأمر به ، والحث عليه ، آيات قرآنية كريمة ، وأحاديث نبوية شريفة ، ولا عجب ، ففي الدعاء إظهار الافتقار ، لسلطان الله العزيز الجبار. وفيه التبرؤ من الحول والقوة ، وهو سمة العبودية ، واستشعار التذلل لعزّ الربوبية .
والدعاء يتضمن الثناء على الله تعالى ، والاعتراف له بأنواع الفضل والكرم ، والشكر على جزيل النعم. قال الله تعالى : ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. قال الحسن البصري رضي الله عنه : سبب نزول هذه الآية ، أن قوماً قالوا للنبي ﷺ:أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فنزلت . وقال بعض المفسرين : لما نزل قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ قال قوم : في أي ساعة ندعوه ؟ فنزلت . - وفي الحديث الشريف : « أعطيت أمتي ثلاثاً لم تعط إلا للأنبياء».
كان الله تعالى إذا بعث النبي قال : ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) . وكان الله إذا بعث النبي قال : ما جعل عليك في الدين من حرج. وقال لهذه الأمة : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج) . وكان الله إذا بعث النبي جعله شهيداً على قومه ، وجعل هذه الأمة شهداء الناس.
وكان بعض السلف يقول : عجيب لهذه الأمة ! - قيل لها : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) .أمرهم بالدعاء ، ووعدهم الاستجابة ، وليس بينهما شرط . قيل : مثل ماذا ؟ قال : مثل قوله تعالى:﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾. فها هنا شرط ، وهو عمل الصالحات وقوله : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ) فليس فيه شرط العمل . ومثل قوله تعالى : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فها هنا شرط وهو الإخلاص . وقوله تعالى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ليس فيه شرط . وقال تعالى : (وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).
أمر الله تعالى أن يكون الإنسان في حال دعائه مترقباً متخوفاً أملاً لله عز وجل ، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر ، يحملانه في طريق استقامته ، فإن انفرد أحدهما هلك الإنسان. وإن انفرد به الرجاء ، غلب عليه الغرور ، فهلك . وإن انفرد به الخوف ، غلب عليه القنوط ، فهلك.
قال الله تعالى : ﴿نَبِّئ عِبادي أَنّي أَنَا الغَفورُ الرَّحيمُ * وَأَنَّ عَذابي هُوَ العَذابُ الأَليمُ﴾.فرجاء وخوف ، ليدعو العبد ربه خوفاً من عقابه ، وطمعاً في ثوابه.
وقال تعالى : ( والله الأسماء الحسنى ، فادعوه بها . أي اطلبوا منه بأسمائه ، فيطلب بكل اسم ما يليق به : تقول : يا رحيم ارحمني ، يا حكيم احكم لي ، يا رزاق ارزقني ، يا هادي اهدني ، يا فتاح افتح لي ، يا تواب تب علي ... وهكذا وإن دعوت باسم عام قلت : يا مالك ارحمني ، يا عزيز احكم لي ، يالطيف ارزقني ... وإن دعوت بالأعم الأعظم ، فقلت : « يا الله فهو متضمن لكل اسم .
وقال تعالى : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ). قال ابن عباس رضي الله عنهما : سبب نزول هذه الآية ، أن المشركين سمعوا رسول الله يدعو : « يا الله ، يا رحمن » ! فقالوا : كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد ، وهو يدعو إلهين فنزلت هذه الآية مبينة لهم ، أن الله هو الرحمن ، وأن الرحمن هو الله.
ما جاء في الحديث الشريف
قال الله تعالى في الحديث القدسي :
يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا .
يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم.
یا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم .
يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم .
يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم.
يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضُرّي فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني .
یا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً .
يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً .
یا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، قاموا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد منهم مسألته ، ما نقص ذلك مما عندي ، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.
يا عبادي ! إنما هي أعمالكم ، أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
وفي حديث قدسي آخر : « يا بن آدم ! إنما هي أربعة : واحدة لي ، وواحدة لك ، وواحدة بيني وبينك ، وواحدة بينك وبين خلقي . فأما التي لي : فأن تعبدني لا تشرك بي شيئاً .وأما التي لك : فعملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه . وأما التي بيني وبينك : فعليك الدعاء ، وعلي الإجابة. وأما التي بينك وبين خلقي ، فأن تأتي الناس بما تحب أن يأتوك به
وفي الحديث الشريف : « الدعاء هو العبادة
وفي رواية : « الدعاء مخ العبادة» . ليس شيء أكرم على الله من الدعاء. إن العبد لا يخطئه من الدعاء إحدى ثلاث: إما ذنب يغفر له ، وإما خير يُعجل له ، وإما خير يدخر له وفي رواية : « إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخر له في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها» سلوا الله من فضله ، فإن الله تعالى يحب أن يسأل .
أفضل العبادة انتظار الفرج .
ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة ، إلا أتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم . فقال رجل من القوم : إذن نكثر - أي من الدعاء - ! قال : الله أكثر - أي أكثر إحساناً مما تسألون.
والدعاء بعد هذا كله ، مفتاح الرحمات الإلهية ، والمنح الربانية :ففي الحديث الشريف : «من فتح له باب الدعاء ، فتحت له أبواب الرحمة ، وما سئل الله شيئاً أحب إليه من أن يسأل العافية» .« لا يرد القضاء إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر».
لا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء ، فيعتلجان إلى يوم القيامة.أي يتصارعان ويتدافعان وقال بعض السلف عجبت لمن ابتلي بأربع ، كيف يغفل عن أربع :
من ابتلي بالضر كيف يغفل عن : رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) .ويقول الله تعالى في القرآن الكريم معقباً على ذلك : فاستجبنا له فكشفنا ما به ضر.
ومن ابتلي بالغم ، كيف يغفل عن : لا إله إلا أنت سبحانك ، إني كنت من الظالمين ) .ويقول الله تعالى في القرآن الكريم معقباً على ذلك : فاستجبنا له ونجيناه من الغم ، وكذلك ننجي المؤمنين .
ومن ابتلي بموجبات الخوف ، كيف يغفل عن : (حسبنا الله ونعم الوكيل ) . ويقول الله تعالى في القرآن الكريم معقباً على check here ذلك :(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ، واتبعوا رضوان الله ، والله ذو فضل عظیم).
ومن ابتلي بالمكر ، كيف يغفل عن : (وأفوض أمري إلى الله ، إن الله بصير بالعباد).ويقول الله تعالى في القرآن الكريم معقبـــــا على ذلك : (فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب ) .
الدعاء لله وحده
قال الله تعالى : ( قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (40) بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ) . نزلت هذه الآية في محاجة المشركين ، ممن اعترف أن له صانعاً. أي أنتم عند الشدائد ترجعون إلى الله ، وسترجعون إليه يوم القيامة أيضاً ؛ فلم تصرون على الشرك في حال الرفاهية والرخاء ؟ ! وكانوا يعبدون الأصنام ، ويدعون الله في صرف العذاب.
وقال تعالى : ( قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا) أي لا ينفعنا إن دعوناه ، ولا يضرنا إن تركناه .
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : « قال رسول الله لأبي : يا حصين ! كم تعبد اليوم إلها ؟ قال : سبعة : ستاً في الأرض ، وواحداً في السماء . قال : فأيهم الذي يعد لرهبتك ورغبتك ؟ قال : الذي في السماء . قال : يا حصين ! أما إنك لو أسلمت لعلمتك كلمتين تنفعانك فلما أسلم حصين قال : يا رسول الله ! علمني الكلمتين اللتين وعدتني . فقال : قل : اللهم ألهمني رشدي ، وأعذني من شر نفسي .
وفي الحديث الشريف : « إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله» من نزلت به فاقة ، فأنزلها بالناس ، لم تسد فاقته ، ومن نزلت به فاقة ، فأنزلها بالله ، فيوشك الله لك برزق عاجل أو آجل .
وقال تعالى في توبيخ المشركين : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) . حاجهم في عبادة الأصنام ، فقال : اطلبوا منهم النفع وكشف الضر ، فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين أن عبادة الأصنام تنفع ! إلى أن قال تعالى في توبيخهم : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ).
وقال بعض السلف : لا ترفعن إلى غير الله تعالى حاجة هو موردها عليك ، فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعاً ؟! من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه ، فكيف يستطيع أن يكون لها عن غيره رافعاً ؟!